الاهتمام الكبير الذي يحظى به الفن التشكيلي ومن مختلف القطاعات الرسمية والخاصة مصدر فخر واعتزاز يشعر به كل منتمٍ لهذا الإبداع إذ لا يمر يوم إلا ونقرأ خبراً هنا أو هناك في مختلف مناطق المملكة عن افتتاح رسمي يشرفه كبار المسؤولين لمعرض جماعي يشارك فيه نخبة من الفنانين أو عن إقامة مسابقة تشكيلية لعامة المبدعين فأصبح لهذا الفن متابعوه ومحبوه ومقتنو إبداعاته ومع هذا الزخم من المعارض والأعمال المشاركة فيها تبقى الأسئلة معلقة الإجابة «لمن هذه المعارض ولماذا تقام؟؟».
لمن تقام..؟ سؤال يختص بنوعية المتلقي يقابلها كيفية التعامل معه وهنا يمكن لنا تقسيم المتلقين إلى ثلاثة أقسام: منهم الممتلك للثقافة والوعي الجمالي والمعرفة المستفيضة بالإبداع وما يعنيه من علاقة بالفكر وما يطرأ عليه من تطورات وتحرك ديناميكي نحو الابتكار، ومنهم من يرى العمل الفني تسجيلاً لواقع أو مرحلة تاريخية أو تراثية بنقلها فوتوغرافيا بحيث لا يتعدى الأداء فيه مرحلة الإتقان الحرفي، ومنهم من يرى أن العمل الفني بشكل سطحي على أنه جزء من الديكور في المنزل بما ينسجم مع قطع الأثاث والستائر وألوان الغرف.
فكيف لنا أن نعرف أياً من تلك الفئات تخدمها تلك المعارض ثم هل يمكن الجمع بين كل الأذواق أو أن مثل هذا الأمر لا يمكن تنفيذه وتلك هي الحقيقة وتلك هي المعضلة أيضاً ففي حال تقديم أعمال منتمية للموروث والبيئة تحمل فكراً وشكلاً معاصرا فسوف يغيب عنها من ينتمي للفئتين الأخريين وحينما تقدم أعمالاً تسجيلية أو سطحية ساذجة فسوف نفتقد الأولى ومع هذا فإنني مع الفئة الأولى حتى ولو خسرت الساحة بقية الفئات ومن هنا يمكن لنا أن نقيم المعارض ونحدد الإجابة على الفقرة الأولى من السؤال وهي لمن تقام المعارض ومنها نبدأ في البحث عن الأعمال المستحقة للعرض والمرضية لأصحاب الذائقة المعاصرة المثقفة والواعية بمعنى الإبداع فكراً وبحثاً وتجريباً.. وعند تحقيق هذه الإجابة تصبح الفقرة الثانية من السؤال وهي لماذا تقام المعارض قد شارفت على الإجابة مع التأكيد عليها ففي حال تجاهل هذا السؤال تفتقد الآلية في إعداد المعارض أهم مرتكزاتها وأهم المؤشرات على تحقيق الأهداف المرجوة منها، فكيف لنا أن نقيم معارض دون معرفة مستوى المتلقي، إضافة إلى أن في رقي مستوى الأعمال بناء على تلك المواصفات والأهداف ووجود ولو نسبة قليلة من الذائقة المثقفة تجعل الأخرى في عالم الفنون بمنظار معاصر عائد لمختزل جمالي بعقول عارفة بأبعاد الشكل والمضمون وما يحمله من عناصر قدمها الفنان الحقيقي برؤية صادقة تتوازى مع ما تمر به الحياة من متغيرات مازجاً كل ذلك عبر خبراته وتجاربه وبعد نظره الذي يسبق به الزمن.
إذاً فأمام معدي المعارض ومنظميها أهداف كبيرة لن تتحقق إلا في وجود التوازن المشروط بوجود أعمال راقية وعالية المستوى ووجود متلق قادر على التعامل معها، ففي تحقيق الشرط الأول ما يحقق الشرط الثاني
محمد المنيف - الجزيرة الثقافية
Bookmarks